ليلى ياسين تفتتح معرضها (اثر)في المركز الثقافي اليمن

افتتحت الفنانة التشكيلية ليلى ياسين معرضها الجديد “أثر” في المركز الثقافي اليمني، لتقدّم تجربة خاصة لا تستعيد الماضي فحسب، بل تعيد إحياءه بإحساس جديد ورؤيا فنية ناضجة.
معرض ليلى ليس مجرد مجموعة لوحات، بل رحلة بصرية تعيد الاعتبار لخطوات الإنسان على الأرض. اختارت الفنانة “الأقدام” رمزًا للأثر الإنساني، في إشارة ذكية إلى تراث اليمنيات وملابسهن التقليدية، وخاصة زي “الشيتارة” المطرّز يدويًا، والذي حمل عبر الزمن قصص نساء وأحداثًا وحياة كاملة محفوظة في خيوط وألوان.
غير أن الفكرة لم تقف عند هذا الحد. فقد تطورت في أعمالها لتنعكس على الوجوه، على ملامح النساء التي تحمل حزنهن وفرحهن، أحلامهن اليومية، وتحدياتهن الوجودية. في كل لوحة مساحة للتأمل، ومساحة أكبر لقراءة المشاعر دون مرشد. فهنا لا تشرح الفنانة لوحاتها بقدر ما تحرّض المتلقي على اكتشافها بنفسه.
ليس من المبالغة القول إن ظهور ليلى ياسين في هذا المعرض هو أيضًا عودة لصوت فني غاب برحيل واحد من أبرز أعمدة الفن اليمني: والدها الفنان الكبير ياسين غالب. فقد نشأت ليلى في بيت امتلأ باللوحات والفرش والأحلام الفنية، ورثت عنه الحس، والخيال، والقدرة على التعبير بالألوان كما لو أنها لغة ثانية لا تحتاج ترجمة.
هذا الإرث لم يظهر في المعرض كمحاولة استعادة للماضي، بل كتواصل طبيعي بين جيلين: والد يضع الأساس، وابنة تتابع البناء وتمنحه روحًا جديدة. كما لو أن فرشاة الأب واصلت عملها بعد رحيله، لكن بيد أصغر، أكثر جرأة، وأكثر رغبة في إعادة وصل ما تقطع بفعل الحرب والغياب.
أعمال ليلى لا تفصل بين الذات والبيئة. ألوانها مأخوذة من اليمن: أرضًا، وسماء، وزيًّا شعبيًا، ومخيالًا شرقيًا تشكل عبر قرون. ومع انتقالها إلى مصر اكتسبت لوحاتها بُعدًا بصريًا جديدًا، مستلهمًا من السينما المصرية ومن ملامح النساء في شوارع القاهرة ومقاهيها وأسواقها.
من الواضح أن الفنانة لا تبحث عن جمال الزخرفة بقدر ما تبحث عن السؤال ماذا يبقى من الإنسان حين تتغير المدن والظروف والأزمنة؟ الجواب حاضر في كل لوحة يبقى الأثر.
انتصار للفن… انتصار للحياة
ما قدمته ليلى ياسين في معرضها هو رسالة مختلفة عما اعتدنا عليه في سياقات الحروب والاضطرابات. فبينما تنشغل نشرات الأخبار بأصوات المدافع والهدن المعلقه بين الحرب والسلام ، تنشغل هي بتوثيق أثر الأقدام التي لا تزال تصر على السير في شوارع الحياة.
ولهذا ليس غريبًا أن ترى في المعرض أكثر من احتفاء فني. هو احتفاء بامرأة يمنية شابة أثبتت أن مدنًا مهددة ما تزال تنتج الجمال، وأن الفن يستطيع أن يقاوم ولوحة واحدة أحيانًا تعادل مكتبة كاملة من محاولات البقاء.
معرض “أثر” ليس مجرد حدث فني عابر، بل صفحة جديدة في كتاب طويل يبدأ في تعز وعدن وصنعاء، ويمر بالقاهرة، وقد يصل لاحقًا إلى مدن أخرى. هو أيضًا شهادة على أن الإرث الفني لا يموت ما دام هناك من يحمله بإخلاص.
ليلى ياسين أعادت اسم والدها الفنان ياسين غالب إلى المساحة التي يستحقها: حيًا، فاعلًا، حاضرًا في كل ضوء ولون وخط. ولوحاتها أثبتت أن الابنة لا تكرر ما فعله الأب، بل تُكمل طريقه بطريقتها الخاصة، وتدفعه إلى أن يولد من جديد فوق قماش جديد.


