القضية الجنوبية بين الانتقالي وحزب الاصلاح. قراء تحليليه

يشهد المشهد السياسي في اليمن حالة معقدة من التداخل بين الأبعاد المحلية والإقليمية، في ظل تعدد القوى الفاعلة وتباين مشاريعها السياسية. وتُعد العلاقة المتوترة بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي من أبرز ملامح هذا المشهد، وهي علاقة لا يمكن اختزالها في صراع نفوذ أو إدارة مناطق، بل تعكس اختلافًا جوهريًا في الرؤية تجاه مستقبل الدولة اليمنية وشكل نظام الحكم.
ينطلق حزب الإصلاح من تصور سياسي يؤكد على وحدة اليمن، مع الدعوة إلى إصلاحات سياسية وإدارية ضمن إطار الدولة، سواء بصيغة مركزية معدلة أو دولة اتحادية. في المقابل، يعبر المجلس الانتقالي الجنوبي عن تيار سياسي يرى أن القضايا الجنوبية لم تُعالج بصورة عادلة عبر مراحل مختلفة، وأن الحل يكمن في إعادة صياغة العلاقة بين الجنوب وبقية مكونات الدولة، سواء من خلال فيدرالية واسعة الصلاحيات أو عبر مشروع سياسي مستقل يعبر عن تطلعات قطاع واسع من الجنوبيين، ويُشار إليه في خطابه السياسي بمفهوم “الجنوب العربي”.
هذا التباين في الرؤى انعكس على الواقع في شكل توترات سياسية وأمنية، لا سيما في المحافظات الجنوبية، حيث تتقاطع الخلافات السياسية مع الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية. وفي هذا السياق، تصاعد الخطاب الإعلامي المتبادل، وبرزت اتهامات تتعلق بتنفيذ أجندات خارجية أو الارتباط بمخططات إقليمية ودولية. ومن منظور تحليلي محايد، فإن هذه الاتهامات تندرج في إطار الاستقطاب السياسي والتعبئة الإعلامية أكثر من كونها مبنية على أدلة موثقة أو مواقف رسمية واضحة، وتعكس في جوهرها أزمة ثقة عميقة بين القوى اليمنية المختلفة.
وفيما يتعلق بسيناريوهات التحالفات المستقبلية، تبرز أحيانًا تساؤلات حول إمكانية تقاطع مصالح بين أطراف متباعدة، مثل حزب الإصلاح وجماعة الحوثي، في مواجهة أطراف أخرى، مع توظيف خطاب سياسي أو إعلامي يهدف إلى تصوير المجلس الانتقالي كطرف معزول أو مرتبط بقوى خارجية، وذلك في سياق تعبئة الرأي العام. إلا أن التجربة السياسية اليمنية تشير إلى أن أي تقاطعات محتملة، إن وُجدت، تكون في الغالب تكتيكية ومؤقتة، وتحكمها ظروف مرحلية ضيقة، ولا ترقى إلى مستوى التحالفات الاستراتيجية المستقرة، خاصة في ظل التباينات الأيديولوجية والسياسية العميقة بين هذه الأطراف.
أما القضية الجنوبية، فتبقى واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في مسار الأزمة اليمنية. فالمطالب الجنوبية، سواء داخل إطار الدولة الاتحادية أو خارجه، تعكس تراكمات تاريخية وشعورًا واسعًا بالتهميش. ورغم بروز هذه المطالب بقوة في الخطاب السياسي، لا تزال المقاربات الدولية تركز على حل سياسي شامل يحافظ على قدر من الاستقرار، مع معالجة المظالم ضمن إطار تفاوضي، دون وجود مؤشرات واضحة على توجه دولي معلن نحو تقسيم اليمن في المدى القريب.
في الوقت الراهن، يبدو المشهد أكثر تعقيدًا، إذ يحقق المجلس الانتقالي حضورًا فعليًا على الأرض في عدد من المحافظات الجنوبية، رغم غياب اعتراف دولي صريح بخيارات فك الارتباط. وتشير التطورات الميدانية والاقتصادية، بما في ذلك الانقسام النقدي وتداعيات انهيار العملة، إلى تعمّق حالة الانقسام الواقعي، لا سيما مع تمايز المسارات بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، والجنوب الذي يسلك مسارًا إداريًا وأمنيًا مختلفًا.
في هذا الإطار، تطرح الحملات السياسية والإعلامية التي تتهم قيادة المجلس الانتقالي بالارتباط بقوى خارجية سيناريوهين محتملين: الأول يتمثل في تراجع المشروع الجنوبي والعودة إلى إطار دولة اتحادية موحدة، وهو ما قد يؤدي إلى إضعاف الزخم السياسي للقضية الجنوبية. أما السيناريو الثاني فيقوم على المضي قدمًا نحو ترسيخ واقع سياسي ومؤسسي مستقل على الأرض، على غرار ما فعلته قوى أخرى في اليمن، مع السعي لاحقًا إلى انتزاع شكل من أشكال الاعتراف السياسي أو التفاوضي.
في المحصلة، يبقى مستقبل اليمن، شمالًا وجنوبًا، مفتوحًا على احتمالات متعددة، تحكمها موازين القوى على الأرض، ومسارات التفاوض السياسي، ومواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين، في ظل غياب حل نهائي يعالج جذور الصراع بشكل شامل ومتوازن.


