النساء في عدن: صرخة من أجل الحياة.. في مواجهة صمت صنعاء وقمعها
في لحظة فارقة تعكس التحول في الوعي الشعبي وجرأة الصوت النسوي، خرجت نساء عدن مؤخرًا في احتجاجات علنية تطالب بالخدمات الأساسية والعيش الكريم. كانت المسيرة بمثابة رسالة مزدوجة: أولًا للسلطات المحلية والحكومة المعترف بها دوليًا، وثانيًا للعالم بأن معاناة المواطن اليمني لم تعد تقتصر على الحرب والسلاح، بل تمتد إلى الكهرباء المنقطعة، وغياب المياه، وارتفاع أسعار الغذاء، وانهيار الصحة والتعليم. وانقطاع الرواتب او قلهتها مقارنة بغلاء المعيشة
في هذه المظاهرات، لم تكتفِ النساء بالصراخ أو رفع الشعارات. لقد حملن على أكتافهن مطالب مجتمع بأكمله، في مدينة أنهكتها الحروب والصراعات بين قوى التحالف والمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية. رفعت اللافتات بلهجة واضحة: “نريد كهرباء”، “نريد ماء”، “نحن أمهات الشهداء والمرضى والطلبة”، “أين وعود الحكومة؟”.
بين عدن وصنعاء.. مساحتان متباينتان للمرأة
في المقابل، تبرز الصورة المضادة في صنعاء. حيث تُمنع النساء من أي حراك جماهيري مستقل، وتُقمع أصواتهن في المهد، حتى لو كانت تتعلق بأبسط الحقوق: العمل، السفر، أو التعبير عن الرأي. إذ تنفذ جماعة الحوثي سياسة ممنهجة لتقييد دور النساء في المجال العام، بدءًا من فرض “الزينبيات” على المؤسسات التعليمية، إلى مراقبة سلوك الفتيات في الجامعات والأسواق، ومنع أي نشاط مدني نسوي خارج منظومة الجماعة.
فبينما تظهر في عدن نساء بملابس عادية وعباءات بسيطة، تخرجن إلى الشارع تحت شمس ملتهبة للمطالبة بالكهرباء، تُجبر في صنعاء النساء على ارتداء زي موحد يُكرس التبعية العقائدية، وتُمنع الفعاليات النسائية التي لا تخضع لإشراف مباشر من “وزارة شؤون المرأة” الحوثية، التي لا تمثل إلا صوت السلطة الذكورية الدينية القامعه
يُظهر الحراك النسوي في عدن —رغم كل التحديات الأمنية والسياسية— هامشًا من الحرية في الفعل السياسي والمجتمعي لا تزال النساء في صنعاء محرومات منه. بل إن النساء في صنعاء لا يملكن حتى حق الشكوى من العنف المنزلي أو المؤسساتي دون أن يتم اتهامهن بـ”الانحلال” أو العمالة لـ”أجندات خارجية”.
وبينما تُكافأ المرأة في عدن على جرأتها أحيانًا بالاهتمام الإعلامي والحقوقي، تُعاقب المرأة في صنعاء بصمت المجتمع، وغطرسة النظام، واختفاء الناشطات قسرًا، كما حدث مع أسماء العميسي، انتصار الحمادي، وغيرهن من ضحايا الانتهاكات الحوثية.
إن احتجاجات عدن النسوية لا تعني أن المرأة في الجنوب تعيش في جنة، لكنها تعني أن الوعي يتشكل، وأن المساحة، وإن كانت محدودة، يمكن أن تُختطف لتُسمِع صوتًا يطالب بالكرامة. في المقابل، فإن النموذج الحوثي في صنعاء يقدّم “المرأة المجاهدة” كأداة بروباغندا، لا ككائن مستقل له حقوق وقرارات بالرغم من المعيشة الصعبة التي تعيشها معظم النساء في صنعاء خاصة اللاتي بلى معيل وبلى اهل
ما حدث في عدن هو درس للجميع: أن القمع لا يُسكت الجوع، وأن المرأة —حين تعبر عن آلام مجتمعها— تصبح رمزًا لا يُستهان به، حتى في بلد دمرته الحرب، وتنازعت عليه الأيديولوجيات والمناطقية والسلاح