العراق والملف اليمني حضور رمزي في قمة رمادية

رغم انشغال العراق بملفاته الداخلية والتجاذبات الإقليمية التي تحيط به، فإن استضافة بغداد للقمة العربية الرابعة والثلاثين شكّلت منصة رمزية لمحاولة تجديد الدور العربي في القضايا المنسية، وعلى رأسها الملف اليمني. وقد جاء حضور رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، في هذه القمة، محمّلاً بثقل الحرب وأعباء الانقسام، ليذكر القادة العرب بأن اليمن لا يزال ينزف، وبأن الصمت العربي يُطيل عمر المأساة.

في كلمته، شدّد العليمي على أن اليمن يخوض معركة وجودية ضد ميليشيا إرهابية مدعومة خارجيًا، واصفًا الحوثيين بتهديد يتجاوز حدود اليمن إلى الإقليم برمّته، في إشارة واضحة إلى هجماتهم على الملاحة الدولية في البحر الأحمر. لم تكن رسالته موجهة فقط ضد الحوثيين، بل ضد صمت عربي وإقليمي بدا أنه يتعامل مع الملف اليمني كحالة مزمنة لا طارئة.

العليمي طالب بموقف عربي حازم، لا بيانات إنشائية تُكتب كل عام، بل دعم فعلي لمؤسسات الدولة اليمنية، وتحرك جاد لوقف التمدد الإيراني عبر وكلائه في صنعاء، واحتواء الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يهدد بخلق يمن هش طويل الأمد.

العراق.. بين الحياد والدور الممكن

العراق، من جهته، حافظ على موقع الحياد السياسي تجاه الأزمة اليمنية خلال السنوات الماضية، ولم يلعب دورًا مباشرًا لا في دعم الشرعية ولا في التواصل مع الحوثيين. لكن استضافته للقمة وإتاحة منبرها للعليمي يُعدّان تحولًا رمزيًا في فتح الملف اليمني مجددًا داخل الدوائر العربية، في وقت باتت فيه الأولويات تميل إلى ملفات التطبيع، والغاز، وأمن البحر المتوسط.

قد لا يملك العراق أدوات النفوذ أو التأثير المباشر في مسار الأزمة، لكنه قادر، إذا ما اختار، على لعب دور توافقي بين الأطراف العربية المتباعدة حول اليمن، خصوصًا في ظل توازن علاقاته مع طهران والرياض. كما أن بغداد – التي تعرف جيدًا ثمن الاحتلال والميليشيا والدولة الفاشلة – تدرك أن مستقبل اليمن لا يمكن أن يُترك لعسكرة السياسة أو إهمال المجتمع.

رغم أن القمة جددت دعمها لمجلس القيادة الرئاسي، والمساعي الأممية والإقليمية الهادفة إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، استنادًا إلى المرجعيات المتفق عليها دوليًا، والمتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216.

وأكدت على وحدة اليمن وسيادته، إلا أن البيان الختامي لكن القمه  لم تقدّم أي خطة عمل أو مبادرة عربية واضحة لإيقاف الازمه  أو احتواء الانهيار الإنساني. وكأن حضور اليمن في القمة، رغم رمزيته، جاء ليُبرر الغياب العملي المتكرر.

العراق، اليوم، أمام فرصة لاستعادة بعض من دوره القومي المفقود، ولو من خلال ملف إنساني واستراتيجي كاليمن. لكن تفعيل هذا الدور يتطلب أكثر من مجرد استضافة. أما اليمن، فرسالته وصلت، لكن لا أحد يملك إجابة بعد، سوى المزيد من الهدن الهشة، والمواقف المعلّبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *