صرخة النساء اليمنيات نداء للإصلاح الجذري في زمن الانهيار
لم تعد صرخة النساء في اليمن صدى لمطالب نظرية أو سجالات حول دور المرأة وموقعها في المجتمع، بل أصبحت ضرورة يومية، نداءً حيًّا ينبعث من بين الأنقاض، من قلب الوضع المعيشي الصعب، ومن أطلال الحياة الكريمة التي تهاوت تحت ضربات الحرب والانقسام والفساد.
المرأة اليمنية لم تكن يومًا كائنًا هامشيًا أو مضافًا تجميليًا في الحياة العامة. على مر التاريخ، كانت حاضرة بصمتها في تفاصيل الزراعة، والتعليم، والصحة، والتجارة، والبيت، والمجتمع. لم تكن تنتظر شهادة من أحد. كانت تبني، وتناضل، وتُربّي، وتزرع، وتداوي، وتصنع الحياة بوسائلها المتاحة، حتى في أصعب المراحل. لكن واقع ما بعد الوحدة، وخاصة ما بعد حرب 1994، بدأ يتجه نحو إخراجها من المشهد تدريجيًا، لا بصيغة قانونية صريحة، بل من خلال بنى سياسية واجتماعية أعادت إنتاج الهيمنة للرجل بصيغة سلطوية قبلية، مركبة، اختزلت النساء في صور نمطية، أو أدوار نفعية في المهن الضرورية ، أو واجهات استعراضية.
تحت مسمى العادات تارة، والخصوصية الدينية تارة أخرى، تم تحجيم دور المرأة اليمنية في التعليم، في الإعلام، في القضاء، وفي السياسة. لكن التهميش لم يأتِ على شكل حرمان مباشر فقط، بل عبر التلاعب بالفرص والمحسوبية الحزبية، واختاز بعض النساء الكفوءات في الواجهه إلى أدوات للشرعنة الاجتماعية أو السياسية لمشاريع الاستفادة الشخصية تبحث عن غطاء ناعم في صناعة القرار وتظل المرأة تصارع من منصبها دون جدوى.
ثم جاءت الحرب، بكل ما فيها من انقسامات وتشظيات، لتضع المرأة أمام امتحان جديد امتحان البقاء. لم يكن لديها ترف النقاشات الفئوية، ولا قدرة على التموضع في معسكرات السلطة. وجدت نفسها فجأة في مواجهة مفتوحة مع الفقر، والنزوح، والجوع، والفئة الأضعف الى الابتزاز، والفراغ المؤسسي، وغياب الدولة
كثير من النساء اليوم فقدن أزواجهن، أو أبناءهن، أو مصادر دخلهن، أو مساكنهن، ووجدن أنفسهن مضطرات لحمل عبء الأسرة، والمجتمع، من دون أي حماية قانونية، أو شبكة أمان اقتصادية، أو حتى احترام اجتماعي حقيقي لدورهن.
وفي حين حاولت بعض القوى استغلال المرأة سياسيًا أو أمنيًا أو إعلاميًا، فإن الغالبية الساحقة من النساء اليمنيات وجدن أنفسهن في الشوارع، في الطوابير، في محاولات مضنية لتوفير الخبز والماء والدواء. في صنعاء مثلًا، ما يزال حضور المرأة في المشهد العام مُكبّلًا بالمراقبة والرقابة، ويُنظر إليها كشبهة سياسية إن خرجت، أو كتهديد أخلاقي إن عبّرت. أما في وعدن تعز، فقد دفعتها الظروف إلى الشوارع لتطالب بأساسيات الحياة مياه صالحة للشرب، كهرباء، أمان، دخل يكفي لتأمين إيجار البيت، أوحتى علاج طفل.
في مناطق كثيرة، لا تستطيع النساء والاسر والرجال حتى دفع إيجار مساكنهم إلا بالدولار أو بالريال السعودي، في وقت لم يعد فيه الريال اليمني يساوي ثمن كيس دقيق، ولا الحكومة قادرة على تأمين موظفيها نظرا لتعدد الازمات السياسية وعدم حرية تواجد الموسسات على الأرض وبشفافية ، ناهيك عن عمّال اليومية أو الأمهات العازبات والمطلقات الوحيدات اللاتي يواجهن العنف والتهميش .
في ظل هذا الانهيار، أصبح من البديهي أن تخرج المرأة إلى الشارع،ليس بدافع التعبئة الحزبية أو الحماسة العقائدية ، بل بدافع غريزة البقاء وباستعادة وطن وامان وخدمات للجميع. هذه الصرخات التي نسمعها في تعز عدن اولا، ليست تعبيرًا عن تمرد اجتماعي، بل عن وجع جماعي لرجل والمرأة في ظل الظروف القاسية ، لا تملك المرأة فيه سوى صوتها لمواجهة آلة الحرب، وجمود النخبة، وصمت الشركاء الدوليين الذين ينتقون النساء والرجال تنوعا من اطراف النزاع .
السؤال اليوم لا يتعلق بما إذا كان للمرأة حق المشاركة، بل كيف يمكن لمجتمع كامل أن يتعافى دونها؟ كيف يمكن لأي مشروع وطني أن يُبنى، وأحد أهم أعمدته يئنّ تحت وطأة التهميش، والإقصاء، والاستغلال، والتجويع والتجهيل؟
المرأة اليمنية اليوم لا تطالب بحصص سياسية، ولا بمقاعد في المؤتمرات الشكلية التي تمنح للنخب ، ولا بشعارات مستوردة من الأمم المتحدة تُستخدم للاستهلاك الدبلوماسي دون انجاز على الأرض وبشكل مستدام. ما تطالب به هو الحق في الحياة، في الكرامة، في الاعتراف بها كمواطنة كاملة، لها الحق أن تعمل، أن تتعلم، أن تعبر، وأن تحيا دون خوف أو وصاية أو امتهان.
ولا يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح إن لم تُنصت جيدًا إلى هذا الصوت. فالمرأة التي تخوض المعركة اليومية على أبواب المستشفيات، في مواقف الباصات، أمام أفران الخبز، وفي أروقة المحاكم، تعرف الواقع أكثر من كثير من المتحدثين باسمها هي تمثل الأغلبية والاغلبية لا تحمل برنامجًا سياسيًانعم، لكنها تحمل تجربة حقيقية، وقوة صلبة، لا يمكن لأي وطن أن ينهض دونها.
في الختام، صرخة المرأة اليمنية اليوم ليست عابرة، ولا هامشية. إنها صرخة مجتمع كامل يرزح تحت الضغط، ويبحث عن مخرج من هذا النفق الطويل إنها نداء لرد الاعتبار، لا لجنسٍ على حساب آخرفالرجل الواعي هويعيش الألم والمعاناة أيضا ومنهم من متوسطي العمر والشباب
لن تنتصر اليمن دون أن تسترد نساؤه مكانتهن كفاعلات في المجتمع ، لا كضحايا، وكشريكات، لا كمجرد رموز بل من كصوت ينتقد الوضع من اجل تحسين أولويات العيش والخدمات في كل محافظات البلاد والسعي للإصلاح الجذري لا الاصلاح المصطنع