وطن يغتال…..وشرعيه تتناحر
جمال الحميري
رئيس مركز يمن المستقبل للدراسات والتدريب
في الوقت الذي يواصل فيه الحوثيون إحكام قبضتهم على مؤسسات الدولة ومقدراتها، تزداد على منصات وسائل التواصل الاجتماعي حدّة المناكفات والاتهامات المتبادلة بين أطراف في الشرعية، في مشهد يثير القلق ويكشف حالة من التشتت والانشغال بمعارك جانبية لا تخدم القضية الوطنية ولا تسهم في استعادة الدولة.
وبينما يعيش ملايين اليمنيين مرارة النزوح داخل الوطن وخارجه، بعد أن شردتهم الحرب ودمّرت بيوتهم وفرّقت شملهم، تتصاعد الحملات المتبادلة بين مكونات يفترض أنها تقف في صف واحد ضد مشروع الانقلاب الحوثي. هذه الصراعات أصبحت مادة يومية في الفضاء الإلكتروني، تُضعف الصف الجمهوري، وتمنح المليشيا فرصة ذهبية لتعزيز سيطرتها واستثمار الانقسام لصالح مشروعها السلالي.
الخطير في المشهد ليس مجرد الخلافات، بل تحوّل المعركة من مواجهة الانقلاب إلى مواجهة بين شركاء الهدف الواحد، الأمر الذي أضاع كثيرًا من الجهد والوقت، وصرف الأنظار عن المهمة الأساسية المتمثلة في استعادة مؤسسات الدولة وإعادة العاصمة صنعاء إلى حضن الجمهورية.
لقد تمكّنت المليشيا الحوثية خلال السنوات الماضية من بناء آلة قمعية واقتصادية وإعلامية تستثمر كل ضعف وانقسام داخل صف الشرعية. وفي المقابل، تتراجع الخطابات الموحدة، وتتسع دوائر الاتهام والتخوين بين أطراف يفترض أن يجمعها هدف استعادة الوطن وإنهاء الانقلاب.
إن المرحلة التي يعيشها اليمن لا تحتمل مزيدًا من التفكك ولا مزيدًا من الصراع الداخلي. فالمعركة الحقيقية ليست على مواقع التواصل وليست بين القوى المناهضة للانقلاب، بل هي معركة تحرير واستعادة وطن. يعيش لحظة مفصلية تتطلب أعلى درجات المسؤولية والوعي الوطني.
إن أي انحراف عن مسار المعركة الأساسية يعزز من نفوذ الحوثي ويمد في عمر الأزمة الإنسانية التي يعاني منها ملايين اليمنيين. لذلك بات من الضروري إعادة ضبط البوصلة نحو توحيد الجهود لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها، ووقف الحملات التي لا تخدم سوى مشروع الكهنوت والانقسام.
إن اليمن بحاجة اليوم إلى خطاب جامع، وموقف مسؤول، واصطفاف وطني يعيد الاعتبار للقضية اليمنية، ويضع كل القوى أمام مسؤولياتها التاريخية. لذلك على القوى الوطنية الحرة الاصطفاف في معركة انقاذ الوطن وتوجيه الجهود نحو العدو الحقيقي الذي أشعل الحرب ودمّر الوطن وهجّر ابناءه.


