تعز بين الفوضى والفساد اغتيال افتهان المشهري وكارثة النساء في مؤسسات الدولة
تعز، المدينة اليمنية الصامدة، تتحمل منذ سنوات عبء الحرب والفوضى الإدارية والاقتصادية، حتى أصبحت نموذجًا واضحًا لفشل الدولة في حماية مواردها ومواطنيها. في خضم هذا الواقع الصعب، اغتيلت افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، برصاص مسلحين مجهولين أثناء جولتها في أحد شوارع المدينة، لتترك وراءها موجة غضب شعبي واسعة وألمًا شديدًا بين زملائها وأهالي المدينة. اغتيال المشهري لم يكن مجرد حادث أمني؛ بل يمثل نموذجًا صارخًا للتحديات التي تواجه النساء اللواتي يحاولن ممارسة دورهن في مؤسسات عامة وسط بيئة مليئة بالعنف والفساد والتهديدات اليومية.
المدينة اليوم تعاني من خلل مؤسسي كامل، حيث تتحكم شبكات فساد محلية وبعض الجهات الأمنية في الموارد الحيوية، مثل ضريبة القات، التي تحولت من مورد محلي بسيط إلى شريان رئيسي لدعم الجبهات، وإلى السوق السوداء للوقود والمفط والمواد المهربة، حيث يتم تهريبها وبيعها بالتوازي مع الجماعات المسلحة، بما في ذلك الحوثيون، الذين يستفيدون من ضعف الدولة وتواطؤ بعض عناصر الأجهزة الأمنية. هذا الوضع يجعل الموظفات المدنيّات، مثل المشهري وزميلاتها، في مواجهة مباشرة مع الفساد والابتزاز والتهديد المسلح، بينما تستغل العصابات السوق السوداء لاستنزاف موارد المدينة وإفقار السكان.
شبكات مثل عصابة سالم الدست، التي تتاجر بالمخدرات، تسيطر على جزء كبير من السوق السوداء، وتتواطأ مع بعض المسؤولين المحليين لتقاسم الأرباح وتهريب المواد إلى مناطق الحوثيين. هؤلاء اللصوص ليسوا فقط مصدر خطر اقتصادي، بل يمثلون تهديدًا يوميًا للنساء اللواتي يسعين للعمل في المؤسسات العامة. اغتيال المشهري أثار صدمة كبيرة، ليس فقط لأنها كانت موظفة مخلصة وكفؤة، بل لأنها رمز للمقاومة المدنية ضد فساد هذه الشبكات، وعملها في صندوق النظافة والتحسين كان نموذجًا للشفافية والإخلاص في ظل بيئة مليئة بالممارسات غير القانونية.
الغضب الشعبي كان فورياً، حيث أعلن موظفو صندوق النظافة إضرابًا شاملًا، وخرج المواطنون والنساء في الشوارع للتعبير عن استنكارهم، مطالبين الأجهزة الأمنية بملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة. الرأي العام المحلي والدولي تابَع الحادث عن كثب، معتبرًا اغتيال المشهري استهدافًا لكل النساء اللواتي يحاولن ممارسة حقوقهن في العمل المدني ومواجهة الفساد.
السوق السوداء في تعز اليوم تتجاوز ضريبة القات لتشمل الوقود والديزل والمفط، حيث تتحكم فيها عصابات محلية مدعومة جزئيًا من بعض العناصر الأمنية. هذه الموارد، التي يفترض أن تذهب للخدمات العامة والبنية التحتية، تُستخدم الآن لتمويل الجبهات، أو تُباع في السوق الموازية، لتصبح مصدرًا للثراء غير المشروع لبعض الجهات بينما يظل المواطنون محرومين. كما أن تهريب الوقود والمفط إلى مناطق الحوثيين يعكس التواطؤ شبه الرسمي بين بعض شبكات الفساد المحلية والجماعات المسلحة، في ظل غياب كامل للدولة، ما يجعل الحياة اليومية للسكان أكثر هشاشة، ويضاعف أعباء الموظفات والنساء اللواتي يحاولن ممارسة حقوقهن.
النساء في تعز يعانين من خطر مزدوج: العنف المسلح المباشر من الجماعات المسلحة، والفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها العصابات والشبكات التربوية على موارد المدينة. المشهري كانت نموذجًا لمواجهة هذا التحدي، حيث أدارت مؤسستها بشفافية وكفاءة، وناضلت لإيصال الخدمات الأساسية للمواطنين، لكنها واجهت عدوين في آن واحد: سوق سوداء مسيطرة على الموارد، وجماعات مسلحة تستفيد من ضعف الدولة. اغتيالها كشف هشاشة الدولة في حماية موظفيها، وغياب سيادة القانون على أرض الواقع.
الغضب الشعبي تركز على الجهات الأمنية المحلية، التي لم تحم الموظفات، بل تواطأت أحيانًا مع العصابات والمهربين، أو تجاهلت تحصيل الإيرادات من السوق السوداء والمفط، ما سمح بمضاعفة الفساد وتعميق الفوضى. الإضرابات والمظاهرات كانت رسالة واضحة: لن يُسمح بعد اليوم بإهمال حياة الموظفين المدنيين، وخصوصًا النساء، أو استغلال موارد المدينة في السوق السوداء وجبهات القتال بدون رقابة واضحة.
تجربة تعز اليوم تمثل تحذيرًا صارخًا لكل المدن اليمنية التي تواجه انهيار الدولة: الموظفات المدنيات، وعلى رأسهن النساء، هن الأكثر عرضة للتهديد، سواء من الجماعات المسلحة أو من شبكات الفساد المستترة وراء الأجهزة الأمنية. اغتيال افتهان المشهري ليس فقط فقدانًا لشخصية بارزة، بل دليل حي على أن غياب القانون والمؤسسات يؤدي إلى تدمير كل جهود النساء في القطاع المدني، ويجعل المواطنين رهائن للفوضى والفساد.
المدينة بحاجة إلى إصلاح شامل: حماية الموظفات، مكافحة السوق السوداء، مراقبة ضريبة القات والوقود والمفط، وقف التواطؤ مع الحوثيين، واستعادة موارد الدولة لصالح الخدمات العامة، وضمان العدالة ومحاسبة الجناة، بما في ذلك عصابة سالم الدست، التي استغلت الفوضى والفساد لتهريب المخدرات واستنزاف المدينة. بدون ذلك، ستظل تعز نموذجًا لما يمكن أن تواجهه النساء في كل مدينة تنهار فيها الدولة، وستبقى الحكاية مأساة يومية يدفع ثمنها الأبرار والمجتمع المدني بأكمله.