شمال اليمن وقود لتعنت الحوثي
بقلم :ماجدة طالب
في الآونة الأخيرة تتصاعد الغارات الإسرائيلية على صنعاء، وآخر ضربة لم تكن مجرد رد عسكري روتيني على صواريخ الحوثيين أو مواقعهم العسكرية، بل مثلت نقلة سياسية خطيرة باستهداف رأس الحكومة التابعة لجماعة الحوثي غير المعترف بها وعدد من وزرائها، وكأنها رسالة مباشرة من إسرائيل إلى قيادة الجماعة: أنكم لستم محصّنين، حتى داخل مؤسساتكم الحكومية.
هذا التطور جاء بعد سلسلة من الغارات الموجهة، منها استهداف نائب وزير الداخلية الحوثي قبل أشهر، ما كشف هشاشة المنظومة الأمنية للجماعة. فبرغم شعارات المواجهة المفتوحة لم تكلف القيادة الحوثية نفسها عناء تأمين وزرائها أو صياغة بروتوكولات حماية حقيقية، الأمر الذي جعلهم أهدافًا سهلة للطيران الإسرائيلي، وأظهر أن حياتهم ليست سوى ورقة ضمن لعبة الشعارات.
إسرائيل بررت هذه الضربات بأنها رد مباشر على الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة الحوثية، والتي باتت تطال الأراضي الإسرائيلية وممرات الملاحة في البحر الأحمر. لكن الأعمق من ذلك أن تل أبيب تسعى لإضعاف القيادة السياسية للجماعة عبر ضرب مفاتيح التشغيل لا مجرد مخازن السلاح، ومنع اليمن من التحول إلى جبهة ضغط مستقرة مثل غزة أو لبنان، إلى جانب تمرير رسالة إقليمية بأن أي ذراع إيرانية خارج حدود فلسطين ستُعامل بالقسوة نفسها.
الحوثيون من جانبهم يصرون على مواصلة الهجمات ويتوعدون بالثأر ويعلنون نصرتهم لغزة، وهو تعنت يهدد بجر شمال اليمن إلى نسخة مكررة من محرقة غزة: استهداف مستمر، معاناة مدنية متزايدة، وتآكل للخدمات والإدارة مع تصاعد اقتصاد الحرب الذي تستفيد منه قيادات الجماعة والمقربون منهم. غياب أي بروتوكول أمني لحماية الوزراء يضاعف هشاشة الحوثيين، ويكشف أن حياة ممثليهم لم تكن يومًا أولوية بقدر ما كانت أداة تعبئة في خطاب الصمود او حماية قادتاهم العسكريين..
في غزة نفسها تحولت سياسة الحصار الإسرائيلي إلى أداة حرب استراتيجية أفرزت مجاعة فعلية وفق تقارير أممية، مع سقوط عشرات الآلاف من القتلى كماان إسرائيل تمارس أسلوب التجويع والإبادة البطيئة لإخضاع حماس، لكنها تواجه اتهامات جنائية دولية، بينها مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق بتهمة استخدام التجويع كسلاح. وكلما تعمقت الكارثة الإنسانية في غزة، وجد الحوثيون فيها مادة دعائية ومبررًا للتصعيد، حتى لو كان الثمن سقوط بلد بأكمله.
اليمن اليوم يقف على أبواب سيناريو قاتم شبيه بغزة مثل مدن مفتوحة للغارات، وناس يُساقون إلى محرقة بلا أفق. إسرائيل تراهن على أن استنزاف الحوثيين سيضعف يد إيران في المنطقة، فيما يصر الحوثيون على استثمار مأساة غزة في معركة مفتوحة مهما كان الثمن. النتيجة النهائية ليست انتصارًا لأحد، بل كارثة إنسانية متجددة في بلد أنهكته عشر سنوات من الحرب، لتضاف إلى الحرب المنسية في غزة حيث تحوّل الجوع إلى سلاح، والسياسة إلى مرادف للموت فيما تمر استراتيجية إسرائيل مرور الكرام وفي خضم ذلك، تبرز مفارقة لافتة القيادة الحوثية التي تتباهى بالردود العسكرية وتشيع قتلاها السياسيين بخطابات صاخبة، هي نفسها التي تفرض تعتيمًا على حجم الغارات الحقيقية، وتُغلق أي نافذة لتوثيق عشرات الضحايا من المدنيين الذين يسقطون يوميًا تحت القصف. هؤلاء المدنيون مغيّبون عن الإعلام، وكأن موتهم تفصيل ثانوي في رواية “الصمود”، بينما واقعهم يختصر جوهر الحرب ك شعب يُدفع به ليدفع الثمن، بلا حماية ولا صوت .
.