المساعدات كسلاح كيف حوّل الحوثيون شريان الحياة إلى أداة حرب

منذ سنوات، أدركت جماعة الحوثي أن السيطرة على المساعدات الإنسانية لا تقل أهمية من السيطرة على السلاح. فالمساعدات، التي يُفترض أن تكون شريان حياة لملايين اليمنيين، تحولت إلى ورقة ابتزاز سياسي واقتصادي بيد الجماعة. الجديد اليوم أن المتغيرات الإقليمية والدولية فتحت فصلًا جديدًا في هذا الملف، قد يفضح أساليب الحوثيين أو يقيّد قدرتهم على الاستفادة من هذه الورقة، لكنه في الوقت نفسه قد يزيد من معاناة المدنيين.

الحوثيون ما زالوا يصرّون على مرور المساعدات فقط عبر منافذهم في الحديدة وصنعاء ومعبر عمان، بينما يحظرون دخولها عبر عدن. المنطق واضح: ليس الأمر لوجستيًا، بل سياسي يهدف إلى حرمان الحكومة من أي موارد مالية إضافية. ومع ذلك، تتكدس الأدلة على أن الحوثيين استفادوا من هذه المساعدات بشكل مباشر، سواء عبر بيع الوقود للمنظمات الأممية أو فرض الرسوم والإتاوات على الشحنات، لتتحول المساعدات إلى رافعة مالية تسند سلطتهم.

غير أن الأشهر الأخيرة شهدت تطورات مهمة قلبت جزءًا من المعادلة. فقد اضطرت الأمم المتحدة إلى نقل مكتب المنسّق المقيم من صنعاء إلى عدن بعد أن احتجز الحوثيون عددًا من موظفيها، في خطوة تمثل ضربة سياسية للجماعة وتمنح الحكومة فرصة للمطالبة بقدر أكبر من الشفافية والإشراف. بالتوازي مع ذلك، واصل الحوثيون سياسة الاعتقالات بحق موظفين أمميين وعاملين في منظمات إغاثية، الأمر الذي ولّد بيئة عدائية متزايدة للمؤسسات الإنسانية، وفتح الباب أمام موجة انتقادات دولية حادة.

ولم يقتصر الأمر على القيود والاعتقالات، بل شهدت محافظة صعدة حادثة لافتة عندما أقدم الحوثيون على نهب مستودع تابع لبرنامج الأغذية العالمي، وهو ما دفع الأخير إلى تعليق شحنات غذائية في مناطق سيطرتهم. هذا الحدث لم يترك مجالًا للمواربة: الجماعة لا تكتفي بفرض شروطها على مسارات الإغاثة، بل تستولي على محتوياتها عند الحاجة، ليبقى المدنيون وحدهم في مواجهة الجوع.

وفي موازاة ذلك، جاء قرار الولايات المتحدة بإعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو تطور يزيد الضغط المالي والسياسي عليهم، لكنه في الوقت نفسه يمنحهم مادة خام جديدة لخطاب المظلومية الذي يقدّمهم أمام جمهورهم بوصفهم ضحايا للاستهداف الخارجي. أما الضربة الأشد وقعًا فكانت الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، التي أصابت البنية التحتية للميناء الحيوي. هذا التطور عقد المشهد أكثر: المنظمات الإنسانية باتت ترى في الميناء نقطة عبور أقل أمانًا، بينما الحوثيون وجدوا في القصف ذريعة لتعزيز سيطرتهم عليه وتسويق أنفسهم كحماة لما تبقى من شريان الإغاثة.

بهذه الطريقة، أصبح ملف المساعدات الإنسانية محاصرًا بين مطرقة الحوثيين الذين يوظفونه كأداة حرب وسندان المجتمع الدولي الذي يتردد في مواجهة ابتزازهم بشكل مباشر. نقل مكاتب الأمم المتحدة وتصاعد الغضب الدولي خطوات مهمة، لكنها تبقى محاولات جزئية في ظل غياب استراتيجية شاملة تضع حدًا لاحتكار الحوثيين للمنافذ.

الخلاصة أن اللعبة لم تتغير في جوهرها: الحوثيون ما زالوا يراهنون على المساعدات كوسيلة تمويل وضغط سياسي، والمجتمع الدولي ما زال مترددًا في كسر هذه المعادلة. الجديد فقط أن سلسلة المتغيرات الأخيرة جعلت استغلال الحوثيين للمساعدات أكثر وضوحًا للعيان، لكنها في الوقت نفسه عمّقت مأساة المدنيين الذين صاروا ضحايا مزدوجين، بين سلطة أمر واقع تتغذى على الجوع، ونظام عالمي يكتفي بالتنديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *